في ورقة قدمها بمؤتمر إشهار لجنة الظل الشعبية في جبهة انقاذ الثورة
الدكتور سلام : الصحافة والإعلام الرسمي ..استمرار التحكم وهيمنة الفساد*
خاص- مدونة شفافية:
قال الدكتور عبد الكريم هائل سلام ان كل مؤسسات الصحافة والاعلام الرسمي طالتها ممارسات الهيمنة والتحكم به وتوجيهه بغية توظيفه في ديمومة وبقاء التحالف الاستبدادي وإخضاعه لخدمة السلطة على الرغم من انه إعلام عمومي لا يخص فئة بذاتها ولا حزبا بعينه ، وإنما ملك عمومي يمول من خزينة الدولة وتسري عليه قواعد حماية الأملاك والأموال العمومية واستهداف المصلحة العامة ، واوضح في ورقة قدمها بمؤتمر اشهار لجنة الظل الشعبيةان الاعلام حاد عن مهامه ووظائفه المجتمعية ، وتحول الى متنفس دعائي للسلطة يروج لسياستها ويبرر اعمالها ويمجد اشخاصها ، على الرغم من كل مساوئهم وانحراف سلطاتهم عن المصلحة العامة وفي مقابل اداء تلك المؤسسات الاعلامية والصحافية الرسمية لتلك الوظيفة والدور النمطي ظلت في محل تغاضي السلطات الحاكمة المتعاقبة على الفساد المنتشر داخل اروقتها على أساس تبادل المصالح والمنافع.
مدونة شفافية تنشر نص الورقة:
مقدمة:
ظلت الصحافة والإعلام تداران من قبل الاجهزة المخابراتية للحكم وبمشاركة مراكز النفوذ التقليدية، الدينية والقبلية المتحالفة معها داخل النخب السياسية وفي الحكومات والسلطات المتعاقبة، وفي العقدين الأخيرين ادت هيمنة الحزب الحاكم ( المؤتمر الشعبي العام ) - الذي لم يكن سوى مستودع لتقاسم النفوذ والسيطرة بين التحالفات والعصبيات التقليدية القبلية المشيخية والعسكرية والدينية السياسة والاجهزة الامنية - إلى التحكم في الفضاء الإعلامي والصحفي عبر أقليات "أوليجارشية " إدارية ونقابية طالت كل مؤسسات الصحافة والاعلام الرسمي حتى أضحت السمة الغالبة على هذا القطاع هي سمة التحكم به وتوجيهه بغية توظيفه في ديمومة وبقاء التحالف الاستبدادي وإخضاعه لخدمة السلطة على الرغم من انه إعلام عمومي لا يخص فئة بذاتها ولا حزبا بعينه ، وإنما ملك عمومي يمول من خزينة الدولة وتسري عليه قواعد حماية الأملاك والأموال العمومية واستهداف المصلحة العامة ، غير أنه حاد عن مهامه ووظائفه المجتمعية ، وتحول الى متنفس دعائي للسلطة يروج لسياستها ويبرر اعمالها ويمجد اشخاصها ، على الرغم من كل مساوئهم وانحراف سلطاتهم عن المصلحة العامة وفي مقابل اداء تلك المؤسسات الاعلامية والصحافية الرسمية لتلك الوظيفة والدور النمطي ظلت في محل تغاضي السلطات الحاكمة المتعاقبة على الفساد المنتشر داخل اروقتها على أساس تبادل المصالح والمنافع.
وكان لغرض منطق تبادل المنافع ونمطية الأدوار والوظائف للإعلام العمومي علاقة زبونية تتفوق وتهيمن على المقتضيات القانونية التي تنظم عمل القطاع العام وتجسد ذلك في اختيار الموالين على رأس إدارات تلك المؤسسات والمواقع الإدارية والتحريرية والانتاجية والنتيجة اختبار اشخاص مشهود لهم بالفساد واستغلال النفوذ كمقايضة تبادلية للمنافع .
وقد ادى هذا الوضع إلى عزوف المشاهد والقارئ عن متابعة تلك الوسائل رغم أن حجم النفقات المخصصة لها من الأموال العمومية ، وبدلا من تقديم إعلام على درجة كبيرة من المصداقية يثق به المتلقي وتشبع حاجاته الإعلامية والاخبارية والترفيهية عملت على نفوره منها ودفعته للبحث عن بدائل خارجية عربية وأجنبية.
ولم يقتصر ذلك النفور على المتلقي العادي بل تحول إلى تذمر ، لاسيما في الوسط الإعلامي والثقافي والسياسي ، وتعالت اصوات السياسيين الى حد التشكي الدائم من هيمنة الحزب الحاكم على الاعلام ووصل الامر الى المطالبة بتحول الصحافة والاعلام الرسمي من اعلام سلطة الى اعلام دولة.
ومع اندلاع موجة الربيع " الثوري" في اليمن انتعشت الآمال بتحول ايجابي داخل مؤسسات الاعلام ينعكس على مستوى الخطاب والادارة والحقوق والشفافية والمساءلة ، خاصة انه القطاع الذي يهم الفئات الاكثر تنويرا وتطلعا للانعتاق من تكبيله بالقوالب والوظائف النمطية والادارية والاعلامية وأن المتغيرات التي هزت البلاد من شانها ان تدفع تلك الفئات والأوساط إلى إعادة النظر بالسياسات التي طبقت داخل تلك المؤسسات والارتقاء بخدمة الجمهور ووضع حد للقطيعة بينه وبين مضمون أجوف لا ينبئ حتى عن بذل عناية لتطويره ، بيد ان الذي حصل هو استمرار تلك السياسات حتى من قبل الذين كانوا ينتقدونها ويتذمرون منها ، والأمر والأنكى من ذلك انها اضحت تتماهى مع تلك السياسات وتحاكيها بطريقة امتدت الى حد استمرار الاعتداء ، ليس فقط على مضمون الخطاب الاعلامي وعلى حقوق المتلقي انما على الحقوق الوظيفية والاعلامية والسياسة والمجتمعية واستمرت في تكريس واقع لا يخدم تطلعات اليمنيين الى دولة يحكمها القانون وتحترم فيها المواطنة القائمة على اتاحة فرص متساوية للأفراد بغض النظر عن انتماءاتهم الجهوية او السياسة والثقافية والدينية ولم يتغير منذ إعلان تشكيل حكومة التوافق التي انحرفت بكل أماني وتطلعات اليمنيين سوى أن تحول هذا القطاع من تابع لهيمنة الحزب الحاكم الى تابع للأحزاب والجماعات التقليدية الحاكمة ، وجميعها توجهها القيم ذاتها والنخب السلطوية نفسها التي كرست واقعا اعلاميا عموديا موجها من السلطة الى الشعب ، في وقت اصبح الفضاء الاعلامي فضاء افقيا متعدد الوسائط ومتعدد المتفاعلين معه ،وكذا المساهمين في صناعته ، ما يستوجب اعادة النظر في الطريقة والسياسة التي مازالت مهيمنة حتى بعد انتعاش التطلعات المجتمعية بتغيير جوهري يواكب التطورات الحاصلة في هذا الفضاء المتجدد.
أولا ـ واقع الاعلام والصحافة العمومية :
يستحوذ الإعلام الرسمي على موارد مالية ضخمة تغذي فساد هذ القطاع بمؤسساته المتعددة ، المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون ، وكالة سبأ للأنبا، مؤسسة الثورة، مؤسسة 14 اكتوبر، مؤسسة الجمهورية ، مؤسسة بآكثير . وجميعها تتحكم بها وزارة الاعلام على الرغم من الاستقلالية النسبية التي تتمتع بها من الناحية المالية ، وتراوحت الموازنة الخاصة بهذا القطاع مابين 80 مليارا في العام 2012، و98 مليار ريال عام 2013م . ومع ان المؤسسات الاعلامية مؤسسات إيراديه.. نظراً لما تحققه من موارد ضخمة نتيجة لاحتكارها لسوق الإعلان عامة واستحواذها على الاعلانات العمومية الادارية ، والقانونية ، والترويجية التي ينفق عليها من الموازنة العامة لكنها تذهب على شكل جعالات وهبات لتدعيم أواصر العلاقة الزبونية ، ويتأكد ذلك جلياً أنه على الرغم من حجم الموارد الإعلانية الضخمة التي يجهل مصيرها تخصص الموازنة العامة لتلك المؤسسات دعماً سنوياً إضافياً تحت مسمى فارق عجز بلغ 12مليار عام 1012 وارتفع الى 15 مليارا عام 2013م.
وهذا يعني ان مؤسسات هذا القطاع تستقطع اموالا ضخمة من الموازنة العامة دون ان تحقق أي مردودية او جدوي ، خاصة في ظل منافسة الفضائيات والصحف العربية والأجنبية وانتشار الشبكة العنكبوتية "الانترنت "، وهي أكثر انتشاراً ، ومع ذلك على الرغم من عزوف المشاهد والمتلقي للإعلام اليمني العمومي ، لا توجد اي بوادر لإصلاح هذه المؤسسات واعادة هيكلتها وفق رؤى تتقاطع مع الماضي وتتكيف مع حاضر متغير وتؤسس لمستقبل واعد بالكثير من التحولات ومليء بالكثير من التحديات.
ويزيد من استمرار هيمنة هذا الواقع السيئ أن النخب الاعلامية والصحفية التي هيمنت على تلك المؤسسات تغذت على ثقافة شمولية تعلي من هيمنة السلطة على الاعلام والصحافة ولا تتصور لها وظيفة خارج بيت الطاعة التي وضعت نفسها فيه ، وقد أدى هذا الوضع إلى غلبة الانتهازية والوصولية التي تدفع دوماً إلى القفز إلى جانب " المنتصر " في كل المراحل واللحظات .
هذه الوضعية كيفت بنية تلك المؤسسات من حيث تركيبتها وتمويلها وادارتها ومن حيث العلاقة بين المقررين والمنتجين فيها وفقاً لتلك الرؤية الشمولية والمطامح الانتهازية التي قامت على ايهام الحاكم المستبد بنجاعتها وفاعليتها في تأمين استمرار حكمه وتوريثه مقابل غضه الطرف عن فسادها وعن محاسبتها على الانحراف بوظيفة الإعلام الرسمي عن غاياته ومقاصده في بناء علاقة ثقة تقوم على المصداقية والثقة بينه وبين المتلقيين .
ومع إدراك الجميع لهذه الاوضاع ظلت المقاربة والرؤية التي حكمت وتحكمت بدور ووظيفة الصحافة والاعلام الرسمي هي المهيمنة والموجهة لهذا القطاع ، فوزارة الاعلام باقية على ماهي عليه والمؤسسات بسياساتها وموازنتها وخطابها وادارتها محكومة بتلك المقاربة التي صاغتها تلك النخب ولم تعمل حتى على استيعاب تطلعات وآمال المحتجين ، وانما جعلت من تلك الآمال والتطلعات مبررات لتكريس تلك المقاربة وفق ما بات يعرف بالمحاصصة والتقاسم الحزبي التي أصبحت الغالبة على ادارة المؤسسات وعلى سياسات القطاع، معطية لمراكز القوي الحزبية والقبلية والعسكرية والامنية والدينية الدور الحاسم في ادارة وتوجيه تلك المؤسسات والتي انعكست في كثير من الاجراءات والتدابير الارتجالية الممعنة في مخالفة ومجانبة وظيفة المرفق العام وجهل وتجاهل مقتضيات العصر ومتطلباته ، وقد أدت تلك المحاصصة والتقاسم إلى :
- هيمنة النمطية التقليدية للخطاب الاعلامي وطغيان الهاجس الوعظي والأبوي.
- تبرير كل مساوئ وانحرافات الحاكم وتمجيد سلطاته والتبشير بمنجزاته الموعودة والمرتقبة واستمرار غياب الشفافية والمكاشفة بشأن ما يجري داخل مؤسسة الإعلام العمومي.
- استمرار الإمعان بالانحراف بوظيفة القطاع من اعلام عمومي الى اعلام سلطوي .
- عدم الافصاح عن مصير الموارد والنفقات المرصودة وفق قواعد الحكم الرشيد على الرغم من اصدار حكومة التوافق لمدونة الحكم الرشيد .
- تكريس واقع تقاسم ومحاصصة الوظيفة العامة في هذا القطاع وتغليب الولاءات الحزبية والقرابية والمناطقية والزبونية على الحقوق المكتسبة وعلى المقتضيات القانونية ولوائح شغل الوظيفة العامة والتعيين داخل تلك المؤسسات بالمخالفة والاستخفاف بالقانون.
- اقصاء ، او تجميد المخالفين في الرأي وتطبيق سياسة حزبية للإحلال والابدال والاجتثاث شكلت ضربة قاصمة للدولة القانونية القائمة على المواطنة والعدالة والمساواة ، وكرست واقع المنح والمنع الوظيفي بشكل غير مسبوق .
- الإمعان بالانحراف بوظيفة نقابة الصحفيين من مؤسسة تعبر عن مصالح اعضائها ، تروم تحقيق النفع العام حولتها إلى مؤسسة ذات منافع خاصة ووسيلة لتحسين العلاقات العامة بين القائمين على هذه النقابة المهنية ، ووقعت وأوقعت اعضاءها في تناقض صارخ بين ما يدعون إليه في الصحافة والإعلام من احترام القوانين والحقوق والحريات وبين اشتغالها خارج إطار القانون ، إذ أن النقابة الحرية بالامتثال للقانون والدفاع عن سيادته لا تعمل ولا تخضع لأي قانون ينظم عملها أو تحيل إليه في وجودها القانوني ، فليس لها قانون خاص بها باعتبارها نقابة مهنية نوعية ينظم عملها ويمنحها الشخصية القانونية ، ولا يستند وجودها إلى القانون النافذ للنقابات العمالية رقم 35 لعام 2003م. ولا أي من قواعد القوانين الأخرى كقانون الجمعيات والمنظمات الأهلية رقم (1) لعام 2001م ولا قواعد القانون المدني الخاصة بالجمعيات والمؤسسات وتأكد ذلك بوضوح في عدم وجود لجنة رقابة وتفتيش داخلية للنقابة ، وفي عدم التزام المجالس المتعاقبة على النقابة بعرض الحسابات الختامية السنوية لإقرارها من قبل الجمعية العمومية ، ومصادقتها على الموازنة العامة , طبقاً للقواعد المرعية ، وفي مجال التأهيل والتدريب تنفذ العديد من الفعاليات دون معرفة حجم التمويل ولا مقدار المخصصات المقدمة من الداعمين والمانحين لذلك الغرض ومن الشركاء المحليين والاقليميين والدوليين. وهذا الوضع جعل القائمين على ادارة النقابة مجرد تابعين للمهيمنين على المؤسسات الإعلامية الرسمية ، نظراً لأن أعداد المنتسبين للنقابة - وهم الغالبية - هم من العاملين في المؤسسات الرسمية الذين يتبعون رؤساءهم وهذا الوضع جعل النقابة ككيان مهني منوط به الإعلاء من قيمة الحقوق والحريات وسلطة القانون شريكاً أساسياً في مخالفة القوانين ومخالفة قواعد الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد التي لطالما حفلت بها الصحف وأسهب الصحفيون في الحديث عنها وعن مخالفتها وتجاوزاتها من قبل الغير .
- غياب القواعد والمعايير المؤسسية في إدارة هذه المؤسسات وغلبة الشخصانية على عملها وأدائها اعلامياً وإدارياً ومالياً ومهنياً .
- نهب وتفيد ارشيفات الاعلام السمعي والبصري واستنساخه من قبل مراكز النفوذ المشيخي الديني، الحزبي ،العسكري، والأمني لصالح قنواتها الجديدة منها خمسون ألف وثيقة من تلفزيون عدن وقد تم ذلك برضا وموافقة المسؤولين عن تلك المؤسسات دون ان يخضعوا حتي للمساءلة القانونية والمحاسبة . بل إنهم قاموا باستغلال الوظيفة العامة لصالح القنوات الخاصة التي تتبع مراكز النفوذ أو التي يملكونها أو يعملون لديها .
- لا يوجد أي ممثلين للنقابات في لجنة شؤون الموظفين وهذا أتاح لإدارة هذه المؤسسات أن تنتهك القانون وتغلب الأهواء السياسية والحزبية والزبونية التي لا تعزز سوى قيم واخلاقيات الفساد .
- عدم القيام بأي مراجعة للقوانين المنظمة لعمل القطاع أو إعادة النظر فيها وفق مقتضى العصر والتطلعات للتغيير.
ثانياً ـ تصحيح الاختلالات :
مع تزايد مظاهر الاختلالات البنيوية والادارية والمالية والخروقات القانونية والقيمية والمهنية داخل هذا القطاع انطلقت العديد من الدعوات والمبادرات الاصلاحية بغية تدارك الانهيار التام الناتج عن تزايد هيمنة الحكومات المتعاقبة على الاعلام والصحافة وتوجيهه وقبول ورضاء العاملين به الانصياع لتلك الهيمنة التي تسببت في تشظي الهوية اليمنية نتيجة لمجانبة الصدق والوضوح والمكاشفة والمصارحة وبسبب تبادل المصالح والمنافع بين المقررين والمنتجين أضحى القطاع على حالة من الثبات ، ولذلك جاءت تلك الدعوات لكنها لم تكن سوى احساس بالمشكلة لا مبادرة لمعالجتها ، وبالتالي فإنها لم تكن دعوات جادة تتوجه إلى المشاكل العميقة البنيوية والتشريعية والقانونية التي يشتغل هذا القطاع بموجبها وفي إطارها ولذلك كانت تفتقر إلى طرح رؤى مدروسة تؤسس لمرحلة جديدة لوظائف الاعلام والصحافة العمومية وتهدف إلى أن تجعل منه إعلام دولة لا إعلام سلطة أو عصبة أو زمرة , وبعضها جاء ليعبر عن تطلعات الأطراف السياسة المقصية من الفضاء الاعلامي العمومي أو المهمشة وقد تأكد ذلك بسقوط تلك الأطراف ذاتها في ممارسة وتطبيق السياسات التي كانت تنتقدها أصلاً سواء على مستوى الإدارة أو التعيين في مؤسسات الاعلام العمومي او الخطاب الإعلامي الذي لم يتحرر من هيمنة الصورة النمطية التقليدية لدور ووظائف الإعلام العام .
وبالنظر الى طبيعة تلك الدعوات وفحواها فإنها ركزت على جوانب شملت:
التأكيد على الغاء وزارة الإعلام أو استبدالها بنظام آخر يقوم إما على مجلس أعلى أو هيئة عليا تتولى الاشراف على مؤسسات الاعلام العمومي يكون منتخبا أو منتخبة من قبل مجلس النواب يعهد اليه سلطات التعيين والتنظيم والتسيير على غرار ما هو معمول به في بعض البلدان ولم تقدم تصورات شاملة تشمل إصلاح الاطار القانوني والتنظيمي والإداري والمهني والتطوير التكنولوجي الذي يلتزم بمعاير الحكم الرشيد ويرتقي بضوابط وأخلاقيات المهنة من جهة وبتطوير رسالتها إلى مستوى الجودة والمهنية التي تمكنها من المنافسة في فضاء معلوماتي مفتوح..
ومع أن الدعوة إلى الغاء وزارة الاعلام واستبدالها بمجلس أو هيئة هي دعوة مسايرة للتوجهات المعاصرة , بيد أن المقترح حسب منظور اصحاب هذه الدعوة هو أن يتم اختيار او انتخاب تلك الهيئة او المجلس عن طريق مجلس النواب ،وإناطة التعيين بالسلطة التشريعية لا يمكن أن يفضي إلى إنهاء هيمنة الحكومة على هذا القطاع بل سيعمل على تكريسه لان الاغلبية داخل المجلس أو الاغلبية التوافقية هي من سيقرر من يتم اختيارهم لعضوية مجلس الصحافة والإعلام ما سيؤدي إلى اهمال تمثيل بقية الأطراف الاخرى كالأقلية البرلمانية والمستقلين على عكس التوجه الشائع في الدول الديموقراطية التي تضمن تمثيلاً متوازناً لكافة الفعاليات المعنية والقوى السياسية بما فيها تمثيل الأقلية البرلمانية وأعضاء المهنة , ومنظمات المجتمع المدني.
في تلك المؤسسات فضلاً عن بعض دول الديمقراطيات الناشئة الى جانب مراعاتها لتمثيل تلك الأطراف عملت على اشراك سلطات متعددة في عملية الاختيار والتعيين كي تبعد القطاع عن هيمنة الأطراف السياسية وتحقيق التوازن بين السلطات التشريعية ، التنفيذية ، الاجتماعية الاقتراحية حيث يشترك كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة في تعيين اعضاء المهنة من المجتمع المدني ما يضمن تحقيق قدر من التوازن ويوسع الشراكة المجتمعية عبر ممثلي المهنة ومنظمات المجتمع المدني على المستويين الوطني والمحلي.
ومن بين ذلك الدعوات أيضاً التي أطلقت تحويل المؤسسات الصحافية والاعلام العمومي إلى شركات عمومية أو شبه عمومية , لكن دون أن تتأسس تلك الدعوات على رؤى عملية واجرائية وتنظيمية تراعي التدرج في عملية التحول , وتجنب الآثار المترتبة عليه سواء الآثار على الحق في اعلام مستقل وذي مصداقية موثوق به و يقلص الفجوة الواسعة بين مؤسسات الاعلام العمومي وبين المتلقين او الآثار على حقوق العاملين في القطاع وكذا على حقوق الدولة , كما ان تلك الدعوات لم تتضمن تحديد الآثار المالية التي تثقل كاهل الموازنة العامة وحدود تخفيف الأعباء المالية الضخمة التي ترهق الموازنة العامة وتحرم المجتمع من الاستفادة منها في التنمية وبالتالي فإن مثل تلك الدعوات لا تعدو كونها مجرد استعراضات إعلامية تروم التظاهر بالإحساس بالمشكلة لا معالجتها , ولذلك فإنه وبعد الرجة العنيفة التي أحدثتها الاحتجاجات الشعبية وما ترتب عليها من ركب للموجة الثورية من قبل مطلقي مثل تلك الدعوات لم تجد تلك الدعوات لها مكاناً وتلاشت وسط التسابق على تقاسم غنيمة الثورة المغدورة وتحاصص المواقع الوظيفية داخل تلك المؤسسات الامر الذي أدى إلى تكريس واقع يعكس في مراميه غلبة التوظيف السياسي والحزبي والأمني والعشائري لدور ووظائف الاعلام.
والخلاصة أن الوضع الذي تعيشه الصحافة والإعلام العمومي يحتاج إلى وقفة جادة تنطلق من الوقوف المحايد على انهيار هذا القطاع في ظل حكومة التوافق المشغولة بتقاسم ومحاصصة الوظيفة العامة داخل هذا المرفق العمومي الهام لاسيما في ظل الهيمنة الإقليمية والدولية على مؤسسات إعلامية ضخمة في الوقت الذي يسقط فيه تحت رغبات الحاكم المتسلط التواق إلى تجميل صورته أمام نفسه وفي مرآته الشخصية التي اصبح فيها المرسل هو المتلقي نفسه للرسالة الإعلامية في ظل قطيعة وعزوف شعبي عن التفاعل الايجابي مع إعلام سلطة ومسيرين له ضالعين في فساده وإفساده و زاد من سوءاته الامعان في تحويله إلى غنيمة حرب مشاعة للمحاصة والتقاسم.
التوصيات :
الاصلاحات التشريعية والقانونية والتنظيمية للوضعية الحالية التي يعشها هذا القطاع والمهنة تحتاج إلى مجموعة تشريعات تنظم هيئاته المقترحة والارتقاء بالقائمة منها وذلك بناء على ما تقتضيه متطلبات التغيير تشمل :-
- إطاراً قانونياً للمهنة أو المجلس المستقل بعيداً عن الحسابات السياسية ومستوعباً لمقتضيات العصر والمنافسة والجودة تحدد صلاحياته في منح تراخيص المؤسسات الإعلامية ، لاسيما منها القنوات والرقابة على احترام القوانين سواء منها المتعلقة بحماية الحريات والحقوق أو بمنع التعدي عليها وحماية الأفراد والمجتمع.
- إطاراً قانونياً جديد لقانون الاعلام يستوعب التطورات الحاصلة في هذا المجال ويستفيد من التجارب الناجحة لاسيما لجهة توزيع الدعم الحكومي للصحافة والاعلام أو لجهة خلق آليات فعالة في توزيع الاعلانات العمومية بين الصحف على اساس العدالة والمساواة.
- إطاراً قانونياً لتحويل مؤسسات الإعلام إلى شركات مختلطة ودمجها في إطار مؤسسي موحد يقوم على احترام قواعد الحكم الرشيد والمسؤولية التبادلية.
- إطاراً قانونياً لنقابة الصحفيين يعلي من الاعتبارات المهنية ويكفل لأعضاء المهنة استقلالية المهنة وحريتها ويستوعب مقتضيات الشراكة بين النقابة وبين الحكومة ويخرج النقابة من مأزق الفراغ التشريعي الذي تعيشه , ومن حالة التبعية السياسية التي فرضت على هذه المؤسسة بسبب غياب الاطار التشريعي والقانوي وغياب قواعد قانونية تضمن الاستقلالية وتحدد مصادر التمويل والتزامات السلطات العامة في الوفاء به حتي تنفك من الهيمنة السياسية والحزبية التي جعلتها بعيده عن وظيفتها الأساسية المهنية.
الخاتمة
من خلال استعراض واقع القطاع الاعلامي والصحفي العمومي في البلد تبين انه يعاني من اختلالات عميقة زادت فيها حدة التقاسم والمحاصصة بين فرقاء الهيمنة السياسية والحزبية الامر الذي زاد هذا القطاع سوءا وتشوها وكرس واقع انحرافه عن مهماته وغاياته واضعف مضمونه واداءه لرسالته، بسبب غياب الرؤى التي تحترم عقلية المتلقي وتجانب اهدار المال العام وتخفف الاعباء عن الموازنة العامة وتلتزم الحقوق المهنية والوظيفة للعاملين في هذا القطاع وهو ما يجب ان تركز عليه هيئة الظل لقطاع الاعلام والصحافة .
فتكون ممارساتها لسلطاتها الشعبية متسقة مع ما يعيشه هذا القطاع من ترد وسوء وفساد اداري ومالي وقصور تشريعي وقانوني وتواقة الى وضع سياسات حكومية تتوافق مع الآمال والتطلعات الشعبية التي انتعشت خلال الثورة المغدورة على ان تتصدى لكل التجاوزات بالرصد والتحليل والنقد وتقديم البدائل التي تراجعت امام هيمنة التقاسم والمحاصصة والحشد الشعبي والاعلامي للوقوف ضدها ولفظها.
ومن اجل اعلام وصحافة عمومية تتمثل حاجات المجتمع في اعلام صادق وشفاف وبجودة وامكانات منافسة يقوم على احترام المتلقي يتعين وضع حد للممارسات والتجاوزات المالية والإدارية وإعادة ترميم الثقة بين هذا القطاع وبين الرأي العام اليمني الذي فقد ثقته بهذا القطاع لهزالة وضعف مخرجاته ولتبعيته للسياسي والحزبي والعشائري والجهوي مبتعدا عن وظيفته كإعلام دولة يهم المجتمع كل المجتمع وليس فئاته السياسية والعشائرية وشلل الفساد المتنفذة عليه التي أدت إلى بروز مراكز القوى المتنافسة والمنقسمة في اليمن المحتكرة لمصادر القوى العسكرية والمالية كلاعبين جدد يتنافسون على احتكار الفضاء الإعلامي والصحفي اليمني مستفيدين من انتشار الفساد داخل هذا القطاع وسكوت المعنيين عنه نتيجة لتبادل المنافع والمصالح بين المقررين من جهة والمنتجين والمسيرين من جهة أخرى ...الخ.