الشيخ
حسن الشيخ وكيل وزارة الاوقاف:
للخطباء
دور مهم في مكافحة الفساد، ولابد من محاكم عاجلة في قضايا الفساد
شفافية-
تقرير فائز عبده:
نظم المركز
الاجتماعي لمناهضة الكسب غير المشروع، الأربعاء 8 يناير 2014، بصنعاء، دورة
تدريبية لخطباء مساجد أمانة العاصمة، حول دورهم في التوعية بمكافحة الفساد وحرمة
التحريض على الاستيلاء على المال العام والأخذ منه، وذلك بالتعاون مع المعهد
الوطني للديمقراطية (NED).
وقدمت إلى الدورة التي شارك فيها قرابة 30 من خطباء أمانة العاصمة، ورقتا
عمل؛ الأولى للشيخ حسن عبدالله الشيخ، وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد لقطاع تحفيظ
القرآن، بعنوان "الفساد المالي.. دوافعه ودور الخطباء في مكافحته"،
والثانية بعنوان "التأصيل الشرعي لحرمة الاستيلاء على المال العام والتحريض
عليه"، للقاضي يحيى الماوري، عضو المحكمة العليا.
وتحدث الشيخ حسن الشيخ عن حرمة أكل المال بالباطل، عاماً أو خاصاً، مدللاً
بالآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، ومقدماً تعريفاتٍ متعددةً
للمال وللفساد المالي شرعاً واصطلاحاً ولغةً. واستعرض دوافع الفساد المالي؛ والتي
منها: ضعف الوازع الإيماني الرادع للإنسان عن الوقوع في الحرام، وضعف قيم الأخلاق،
وانتشار الظلم والكذب والأنانية، وانعدام الحرص على مصالح وحقوق الآخرين، وكذا ضعف
الرقابة الإدارية والمحاسبة، وغياب العدل في التعامل مع العاملين، وضعف المرتبات،
والتفاوت الحاصل بين أفراد المجتمع بين غنىً مفرط وفقرٍ مدقع.
وتناول الشيخ مظاهر الفساد المالي وأنواعه، التي منها: الرشوة، والهدايا، والسرقة،
والمحسوبية والمجاملة. مشيراً إلى آثار الفساد على الفرد والمجتمع؛ "لما
يحتويه من تجاوزات للمقتضيات الإيمانية والالتزامات الأخلاقية والنظم التشريعية
والعلاقات الإنسانية".
وذكر طرق مواجهة الفساد، بجملة من الإجراءات التي منها: تقوية الجانب
الإيماني والأخلاقي، وبث روح المحبة والتضحية والإيثار بين أفراد المجتمع، والأخذ
على أيدي الفاسدين، وتفعيل دور الرقابة الإدارية والنظم المقرة، والتخفيف من حدة
الروتين، وإيجاد محاكم عاجلة لقضايا الفساد، وإغناء الموظفين بما يحتاجونه. مبيناً
الدور المهم للخطباء والعلماء والدعاة في مكافحة الفساد.
وقال وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد إن "الخطيب، وهو الموجه والمربي
والمعلم، يجب أن يشخص الأدواء الموجودة في المجتمع، ويضع لها المعالجات الناجعة
بالموعظة الحسنة والتوجيه السديد، بعيداً عن الانفعال والتجريح والتشهير".
وشكر، في ختام ورقته، مركز مناهضة الكسب غير المشروع، على تبنيه لموضوع
الفساد المالي، داعياً كل شرائح المجتمع إلى أن يكونوا عوناً للقائمين على المركز
"حتى نسدي معروفاً لأنفسنا ولمجتمعنا ولأجيالنا القادمة".
فيما تحدث القاضي يحيى الماوري عن المال العام باعتباره "ما كان
مخصصاً للمنفعة العامة، أكان بشكل نقدي أو كمرافق ومنشآت"، وأن "المال
في الإسلام وظيفة اجتماعية"، والأصل فيه الملكية العامة. كما تحدث عن ارتباط
المصلحة العامة بالمال العام؛ حيث إن "المصلحة العامة لا يمكن أن تستمر إن لم
تكن ممولة من المال العام". واستعرض مصارف الأموال العامة المعلومة، والتي لا
يجوز للقائم على المال العام أن يبتدع مصارف أخرى.
وأكد على دور الخطباء والمرشدين في صناعة رأي عام مناهض للفساد، مشيراً إلى
أن للجامع دوراً كبيراً في خلق الوازع الديني والأخلاقي تجاه المال العام. وقال إن
أول تجربة للكفاية والعدل في الإسلام، كانت في خلافة عمر بن عبدالعزيز، وكانت
اليمن أول من حقق وفراً في الإيرادات، ولم يجد المعنيون فيها فقيراً محتاجاً،
بينما يقبع الدور اليمني اليوم في آخر القائمة على كل المستويات، حسب تعبيره.
وقال القاضي الماوري إنه "لم يكن هناك أحد يرغب في إنشاء محاكم
الأموال العامة، سواء في الحكومة أو في السلطة التشريعية". منوهاً إلى أن "المفسد
الأكبر هو الذي يمنهج الفساد"، حسب وصفه. وأضاف أن "الفساد أصبح يمارس
علناً، من خلال النهب بالقوة وعنوةً وجهرةً أمام الناس، والاستيلاء على الأراضي
والممتلكات والسيارات".
وتطرق الماوري إلى مظاهر الفساد؛ حيث تشير التقارير إلى أن ما يورد إلى
خزينة الدولة من إيرادات النفط، هو 25% فقط، وأنه يتم جمع الوفر المتحقق في
المحافظات والمديريات إلى وزارة المالية، وتوزيعه مكافآت على معدّي الموازنة
العامة، بينما كان الأولى أن تنفق على المشاريع المحلية، حسب قوله.
وأشار إلى أن هناك عدة وسائل للحماية الشرعية للمال العام؛ منها: عزل
الولاة بمجرد الاشتباه بالخيانة، وأن الأصل في الولاة عدم الصلاح، والحجر على
السفيه، واعتبار المال العام مقدماً في الحماية على المال الخاص عند التعارض.
مؤكداً أن الإسلام أجاز لكل مواطن الحسبة لحماية المال العام. ومشيراً إلى أن
مظاهر الفساد ليست جديدةً على المجتمع، وأن الدولة الإسلامية لم تكن مثاليةً كما
يظن البعض، فلقد حدثت تجاوزات وثورات عديدة في تاريخ الدولة الإسلامية. ولافتاً
إلى أن الغرب ليس سيئاً، وأنه يمكن أخذ ما يناسبنا من تجاربه، مثلما أخذ الغرب
كثيراً من تجارب الحضارة العربي الإسلامية، في مختلف المجالات.
وقال القاضي الماوري إن دور المجتمع في حماية المال العام، يتمثل في أداء
الواجبات، والتعفف عن أخذ ما لا يستحقه، وحرمة المال العام، ودور الخطباء
والمرشدين في التوعية بحرمة المال العام، وخطورة التحريض على الاستغلال غير
المشروع للمال العام. مشيراً إلى بعض المفاهيم المغلوطة عن المال العام، ومنها:
التهوين من المسؤولية الدنيوية والأخروية على من يعتدي عليه، وتجويز البعض أخذ
المال العام بغير حق، بشبهة الملكية، والاستدلال بعدم الحد على من ارتكب سرقة
المال العام، وتهاون الجهات المعنية في القيام بواجبها، وعدم إيقاع العقوبات على
مرتكبي جرائم نهب المال العام أو إتلافه أو إفساده.
عقب ذلك، تم فتح باب النقاش والمداخلات من قبل المشاركين في الدورة من
خطباء مساجد أمانة العاصمة، الذين اعتبروا الدورة بادرة طيبة، وأثنوا على منظميها،
وعلى مقدمي ورقتي العمل ومضمونهما الغني بالفائدة، وثمنوا قيام المركز بتنظيم مثل
هذه الدورات الهامة للتوعية بقضايا تمس كل المواطنين، وتؤثر على حياتهم، مشيرين إلى
خطورة الفساد المالي، وضرورة مواجهته بتكاتف الجميع.
وطالب المشاركون بتكثيف الدورات التوعوية، وإثرائها بالمزيد من المعلومات
والمعارف، وتوسيع قاعدة المستهدفين منها لتعميم الفائدة، وتعزيز وعي الناس بخطورة
الفساد على الفرد والمجتمع، وأهمية الحفاظ على الأموال العامة وحمايتها، وحرمة
التحريض على الأخذ منها. ودعوا المركز إلى طباعة المحاضرتين في كتابٍ، وتوزيعه على
الخطباء لإيصال محتوياتهما القيّمة إلى أوسع الفئات الاجتماعية.
وكان الزميل محمود شرف الدين، رئيس المركز الاجتماعي لمناهضة الكسب غير
المشروع، رحب بالمشاركين في الدورة من الخطباء، وبمقدمي ورقتي العمل، وقال في
كلمته إن الهدف من الدورة توحيد الجهود لتوعية الناس بالفساد وحرمة التحريض على
الأخذ من المال العام، وإن المركز استعان بالخطباء، إلى جانب وسائل الإعلام،
للتوعية بمخاطر الفساد، والعمل على تحويل ثقافة المجتمع الممجدة للكسب غير
المشروع، والأخذ من المال العام، إلى ثقافة مكافحة للفساد، وتعتبر الأخذ من المال
العام والتحريض عليه جريمة.
ونوه شرف الدين بالدور المهم والكبير للخطباء، والذي قد يوازي وسائل
الإعلام أو يفوقها، لأنهم يخاطبون العامة لتوعية الناس وتوجيههم إلى الحلال
والطيبات من الرزق. وقال مخاطباً المتدربين من الخطباء: أردنا الاستعانة بكم
وتوحيد جهودنا معكم في هذه المهمة الدينية والوطنية، في ظل هذه الظروف التي يتم
فيها وضع أسس الحكم الرشيد والشفافية. مشيراً إلى ضرورة تضافر كل الجهود الحكومية
من حيث التشريعات، والدور الرقابي للهيئات ووسائل الإعلام والخطباء والدعاة، من
أجل مجتمع يقدس الفضيلة والكسب الحلال، ويناهض الفساد المالي والإداري، باعتباره
الوباء المعشش في اليمن، حسب وصفه.
يذكر أن المركز الاجتماعي لمناهضة الكسب غير المشروع، قام ضمن برنامجه
الخاص بالتوعية بحرمة الاستيلاء على المال العام، بتوزيع نسخ من فتوى تحريم
التحريض على الأخذ من المال العام، التي أصدرها العلامة محمد بن إسماعيل العمراني،
والشيخ محمد نعمان الصلوي، على الخطباء المشاركين في الدورة، كما قام بتوزيع آلاف
النسخ من الفتوى على عديد مساجد بأمانة العاصمة، وذلك عقب صلاة الجمعة 10 يناير
2014. ويعتزم توزيع المزيد منها خلال الفترة القادمة، على بقية المساجد.